لقد هبط أبوانا من الجنة إلى الأرض ووعد اللَّه تعالى من يتبع هداه ألا يخاف ولا يحزن , رحمة منه بعباده ولاشك أن هناك واجباً ينتظرنا حيال هدى اللَّه الذي أتانا منه – جل وعظم – وحتى نكون أهلاً للهداية والانتفاع بهذا النور علينا الاعتناء بهذا الكتاب (القرآن) أشد العناية، وملازمته ودراسته والعكوف عليه لننال من كنوزه وبركاته… وعلينا استيعاب ما يشتمل عليه من كليات وموضوعات رئيسة, لنكوِّن الفكرة الإجمالية قبل التوسع في جزئياته وتفاصيله… وحتى نخلص إلى موضوعاته الكبرى, وخطوطه ومعالمه…لابد لنا من طول دراسة وعميق تأمل وشديد حرص.
إن من تأمل هذه الرسالة المباركة , رسالة اللَّه لعباده يجدها تتحدث عن أشياء كثيرة وموضوعات جمَّة…
يجد أن اللَّه عز وجل يحدثنا عن نفسه , وعن السماء , وعن الأرض والبحار, والدواب.. وعن الرسل , وعن الإنسان, وعن الشيطان , والجنة , والنار وعن أمور كثيرة يصعب علينا إحصاؤها..كمايحدثنا عن أشياء وموضوعات شتى وشؤون تهم حياتنا ومصيرنا , بحيث لم يدع لنا أدنى شأن من شؤوننا إلا حدثنا عنه، ووجهنا لما يصلحنا أكمل توجيه.
ولعل من أهم ما حدثنا عنه ولفتنا إليه موضوع العلم ..بل حديثه سبحانه هو العلم ذاته, ولقد قيل: العلم هو ما قال الله وقال رسوله..وهو أساس لكل شيء .. أساس للإيمان وأساس للعمل.
إذا أمعنت النظر في كلمات القرآن , فلن تجد كلمة أعظم ولا أهم من كلمة (اللَّه). ثم أمعنت النظر ثانية لأبحث عن أهم وأعظم كلمة اقترنت بكلمة (اللَّه ) فلم أجد كلمة مثل العلم. والعلم يولّد في الإنسان الحي , حركة شعورية وعملية نحو المستعلم عنه , ولايمكن للمرء أن يقف من الشيء الذي يتعلم عنه أي موقف , سواء كان إيجابيًا أو سلبياً, حباً أو كرهاً , بدون أن يسمع عنه خبراً , إذ لا كفر بشيء ولا إيمان بدون علم بهذا الشيء .
وعلى هذا لابد من معلومة أولية لتحديد موقف (عمل) شعوري حباً أو كرهاً إيماناً أو كفراً . فالمعلومات والأخبار عن شيء يهم الإنسان في حياته ومصيره , لابد وأن يحْصُل منه تعلقٌ به , إن كان راغباً في هذا الشيء , وأن يحصل نفور ومعاداة , إن كان غير راغب وغير مريد له . وكلما زاد العلم بالشيء, زاد معه ما يتعلق به من ارتباطاتٍ وعلاقاتٍ ومواقف ؛ إذ لايمكن لأحد أن يحدد موقفه من شيءٍ ويعمل معه وهو جاهلٌ به.
يجدر بالذكر أن كلمة العلم وردت في كتاب اللَّه في 478 آية ، وقد يتكرر ورودها في الآية الواحدة أكثر من مرةٍ , ليصل العدد إلى حوالي 778 مرة.
ونجد أن الكلمات التي شاع ورودها , تدلنا بالضرورة على عظمها وتميزها من غيرها , نورد على سبيل المثال لفظ الجلالة (اللَّه ) ، فعند إحصائها تبين أنها وردت 2704 مرة. وكلمة (إله) وردت 147 مرة. وكلمة (العلم) تكررت 778 مرة ، فهذه الأرقام ، وهذا التكرار نستوحي منه مزيد أهمية للكلمات المكررة .
ومن مؤشرات الأهمية كذلك (الترتيب) فهو يدل على الأولوية .
ففي الحديث الذي رواه مسلم: «الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شُعْبة، فأفضلُها قولُ: لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعْبة من الإيمان» ( ). فمما نفهمه من هذا الحديث أن هناك أعلى، وهو الأهم، وهناك أدنى .. وكله من الإيمان.
كما نجد أن أركان الإسلام أيضا مُرَتَّبة في حديث بني الإسلام .. حسب الأهمية، ثم إن الترجيح بين عمل وآخر من دلائل
ومن عكف على القرآن الكريم دارساً لآياته, ومتابعاً لموضوعاته, يتوصل إلى أن موضوعات القرآن الكريم تدور حول سبعة محاور كبرى, هي مهمة في حياة الإنسان الدنيوية والأخروية.
هذه المحاور تدورحول أمورٍ رئيسة هي: اللَّه – كتابه – لقاؤه – الغيب– الرسل –الإنسان – الشيطان.
فموضوعات القرآن في معظمها لا تعدو كونها مرتبطةً بواحدٍ من هذه المحاور السبعة. ولابد من تناول كل محور من هذه المحاور بالعلم والدراسة والفهم, لتكوين التصور الشامل والصحيح لها، ويكون هذا العلم هو الدافع للعمل مع هذا المحور بالكيفية المطلوبة, المبنية على علم بما أعد اللَّه عنده من جزاء لكل عمل إذ أخبر اللَّه عن نفسه .
نسأل اللَّه بعزته وجلاله أن ينفعنا وإياكم بالقرآن العظيم, وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم, صواباً على مراده.