العلم بفطرة الله

 

 339-‏الروم( 30)– (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

     اللَّه سبحانه خلق الإنسان وفطره على قلب واحد، وعلى إرادة واحدة، وماجعل له قلبين وارادتين بنفس الوقت، ولو أراد سبجانه ذلك لفعل، ولكن ( لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه ) قضى اللَّه أن لاتبديل ولاتغيير لخلقه، فلا تبديل لقلب إلى قلبين ولا لإرادة إلى ارادتين، فالقلب واحد، والإرادة واحدة، إما اللَّه أو غيره ( يا نساء النبي إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، وإن كنتن تردن اللَّه …)

إذا لايمكن للإنسان التوجه لاتجاهين متعاكسين في نفس الوقت، أما اللَّه سبحانه، ينصب وجهه لكل مخلوق بآن واحد، وأحدنا لايستطيع أن ينصب وجهه إلا لشيء واحد، فليختر هذا الإنسان وليتوجه وليدين لما يشاء, أما أنت يانبي اللَّه أقم وجهك واتجاهك وارادتك للَّه الذي أنزل إليك الدين.

وكذلك لايستطيع مخلوق تبديل خلق اللَّه لأن اللَّه قضى لا تبديل. لايستطيع الإنسان أن يريد اللَّه ويريد غيره بنفس الوقت، وهذا المعنى من الآية واحد من عشرات المعاني التي ذكرها المفسرون .

وأكثر الناس لا يعلمون هذه المعلومة وغيرها من المعلومات عن اللَّه.

قال مقاتل بن سليمان: «ثم قال للنبي e إن لم يوحد كفار مكة ربهم فوحد أنت ربك، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه يقول لا تحويل لدين اللَّه U الإسلام يعنى التوحيد ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعنى التوحيد»([1]).

وقال الطبري: «ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الدين الذي أمرتك يا محمد به بقولي: (فَأقمْ وَجْهَكَ للدِّينِ حَنِيفاً) هو الدين الحقّ دون سائر الأديان غيره»([2]).

وعند القرطبي: «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أي: لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقاً معبوداً، وإلهاً قديماً سبق قضاؤه، ونفذ حكمه»([3]).

وقال ابن كثير: «فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره كما تقدم عند قوله تعالى: “وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى”، وفي الحديث “إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم” ” لا تبديل لخلق اللَّه ” لا يقدر أحد أن يغيره أو ما ينبغي أن يغير»([4]).

وقال السعدي: «وهذا الأمر الذي أمرناك به هو (فِطْرَةَ اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، ووضع في عقولهم حسنها، واستقباح غيرها، فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع اللَّه في قلوب الخلق كلهم، الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذا حقيقة الفطرة»([5]).

وفي ظلال القرآن: «( فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللَّه)..وبهذا يربط بين فطرة النفس البشرية وطبيعة هذا الدين ; وكلاهما من صنع اللَّه ; و كلاهما موافق لناموس الوجود ; وكلاهما متناسق مع الآخر في طبيعته واتجاهه.

واللَّه الذي خلق القلب البشري هو الذي أنزل إليه هذا الدين ليحكمه ويصرفه، ويطب له من المرض ويقومه من الانحراف، وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير.

والفطرة ثابتة والدين ثابت: ( لا تبديل لخلق اللَّه ) فإذا انحرفت النفوس عن الفطرة لم يردها إليها إلا هذا الدين المتناسق مع الفطرة، فطرة البشر وفطرة الوجود، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. فيتبعون أهواءهم بغير علم، ويضلون عن الطريق الواصل المستقيم»([6]).

وقال الشعراوي: «ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ) لا يعلمون العلم على حقيقته، والتي بيَّناها أنها الجزم بقضية مطابقة للواقع، ويمكن إقامة الدليل عليها»([7])..

وفي التفسير الميسر: «ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الذي أمرتك به -أيها الرسول- هو الدين الحق دون سواه»([8]). 

 

([1]) تفسير مقاتل بن سليمان (3/ 413).

([2]) تفسير الطبري (18/ 497).

([3]) تفسير القرطبي (14/ 31).

([4]) تفسير ابن كثير (6/ 313).

([5]) تفسير السعدي (ص: 641).

([6]) في ظلال القرآن (5/ 2767).

([7]) تفسير الشعراوي (18/ 11419).

([8]) التفسير الميسر (1/ 407).