أهمية العمل في القرآن
أكرم الله -تعالى- أمة الإسلام بإنزال القرآن الكريم عليها، وجعله آخر الكتب إلى يوم القيامة، وقد أنزله الله -تعالى- ليكون مرجعاً لأمة الإسلام في العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق، قال -تعالى-: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.[١] وتَدَبُر القرآن يكون بالإيمان به، ثمَّ العمل بما فيه من حلال واجتناب ما نهى عنه الله -تعالى- من حرام.[٢] ومن جعل القرآن الكريم له هادياً في عمله، لا شكَّ بأنه في الآخرة من أهل النجاة لقوله -تعالى-: ﴿إِنَّ هـذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا﴾،[٣] فالعمل بالقرآن ثوابه الهداية والأجرُ الكبير في الآخرة.
كيفية العمل بالقرآن
يُعدُّ العمل بالقرآن أمراً ميسوراً غير مُكْلِف وغير شاقّ، وكلّ مسلمٍ يعمل بالقرآن حسب طاقته وقدرته، فلا يُكلف الله نفساً إلّا وسعها. ولمن أراد أن يكون ممن يعمل بالقرآن أن يقوم بما يأتي:
تعاهده بالقراءة والحفظ
تحتاج قراءة القرآن وحفظه إلى وقتٍ وتفرُّغ حسب الطاقة، ويجب المواظبة على القراءة والحفظ لتثبيت القرآن في القلب، فمن دون الحفظ سيتفلت القرآن ويتم نسيانه. فيقول -صلى الله عليه وسلم-: (تَعاهَدُوا القُرْآنَ، فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ لَهو أشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإبِلِ في عُقُلِها)،[٤] ومعنى تفصّياً أيّ تفلتاً وخروجه من صاحبه بمعنى نسيانه.[٥] وكان السابقون من الصحابة يتعلمون عشر آياتٍ فقط في كلّ مرةٍ، ليسهُل عليهم العمل بها وتطبيقها واتقانها ويستمروا في التدبر والحفظ.[٦] وقد علم السَّلف الصالح بأنَّ الشيطان يسعى لأنْ ينسوا ما حفظوا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (بِئْسَ ما لأحَدِهِمْ يقولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكَيْتَ، بَلْ هو نُسِّيَ).[٧][٨] ولذلك اجتهد الصحابة ومن تبعهم في قراءة القرآن وحفظه، حتى أنَّ أحدهم كان يقوم بالقرآن كله في ليلةٍ واحدة، وآخر يختم القرآن مرتين في كلّ يوم في رمضان.[٨] ولكننا اليوم ومع تقدم الحياة وتسارعها، وكثرة الإلتزامات التي تشغل الفرد فإن بإلتزام الورد اليومي يكون حسنًا، ويجعل قلب الإنسان متعلق بالقرآن، فقليل دائم خير من كثير منقطع.[٩]
حسن تدبره
يقول الله -تعالى-: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾،[١٠] ويُقصد بتدبر القرآن التأمل فيه والتَّفكر والتَّبصُر في معانيه وأحكامه وآياته.[١١] وتدبر القرآن سنة نبوية تنعكس على صاحبها بالقلب المنشرح والعلمٍ الوافر،[١٢] فالتَّدبر منزلةٌ أعلى من مجرد القراءة والحفظ وتحتاج إلى إعمال للعقل والقلب عند الوقوف على آيات الله -تعالى-. وترك التَّدبر للقرآن الكريم علامةٌ من علامات القلب المُقْفَل لقوله -تعالى-: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾،[١٣] وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يُطَبق التَّدبر بشكلٍّ عَمليٍّ في صلاته. فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- كما روى حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: ( إذَا مَرَّ بآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ).[١٤]
تطبيق أحكامه
يقول الله -تعالى-: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾،[١٥] وقد فسَّر عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- الآية السابقة فقال: “والذي نفسي بيده إنّ حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه”.[١٦] فبيَّن أنَّ حق تلاوة القرآن تكون بالعمل بما دلَّ عيله من الحلال واجتناب ما دلَّ عليه من الحرام. يقول الحسن البصري: “أُنزل القرآن ليُعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا”.[١٧] فالقرآن الكريم لم يُنَّزَل لكي يُقرأ فقط ويُترك عند العمل، وهذا مما يقوم به بعض ممن يقرأ القرآن بأن يجعل عمله القراءة ويترك العمل بما قرأ، فلا التزم بترك الحرام ولا أقام حدود الله -تعالى- فيما قرأ من القرآن. فعلى المسلم أن يتحرى تدبر القرآن عند قرائته له، وأن يحاول تدبر وفهم معانيه والأحكام الواردة فيه.
الأدب في تلاوته
لتلاوة القرآن الكريم مجموعة من الآداب على القارئ أن يعتني بها ليحصل أقصى فائدة من تلاوته، وهذه الآداب من الأعمال التي يؤجر عليها المسلم عند تطبيقها ومنها ما يأتي:[١٨] اختيار المكان والزمان التي يحصل بهما انشراح الصدر بتلاوته. الحرص على طهارة في البدن والثياب والمكان. إخلاص النية لله -تعالى-، واستكثار النوايا في القراءة والتدبر، ونية ختم القرآن والاستشفاء بتلاوته. الاستعاذة والبسملة والترتيل والتأني في ذلك. حضور القلب والخشوع والتركيز بالقراءة، بالابتعاد عما يشغل القارئ أو يقطع تلاوته. التأثر بما يقرأ وكأنه المخاطب بكلّ آيةٍ سواءً أكانت آية رحمة أو آية عذاب.
حكم العمل بالقرآن
يقول الله -تعالى-: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾،[١٩] وتحكيم النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون باتباع القرآن الكريم.[٢٠] وذلك لقوله -تعالى- على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾،[٢١] كما أنَّ الإيمان بالقرآن واجبٌ فالعمل بالقرآن واجبٌ أيضاً ولا يُقبل عملٌ من غير القرآن حتى ولو كان مصدره من الكتب السابقة.[٢٠]
أثر العمل بالقرآن الكريم
للعمل بالقرآن آثارٌ عظيمةٌ ورد ذِكرها في القرآن الكريم وفي السنة النبوية ومنها ما يأتي:[٢٢] العمل بالقرآن سبب للفلاح في الدارين قال -تعالى-: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.[٢٣] العمل بالقرآن الكريم سبب للفوز برحمة الله -تعالى- قال -تعالى-: ﴿وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.[٢٤] العمل بالقرآن سبب لتكفير الذنوب قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾.[٢٥] العمل بالقرآن سبب للشفاعة في الآخرة قال -صلى الله عيه وسلم-: (يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمْرانَ، وضَرَبَ لهما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَةَ أمْثالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قالَ: كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما).