و كانوا يعلمون العلم العام وماعند اللَّهمن المثوبة والجزاء. ذكر في تفسير ابن أبي حاتم عن كلمة لو: «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ ﴿لَوْ﴾ فَإِنَّهُ لا يَكُونُ أَبَدًا». وفي التفسير الميسر: «ولو أن اليهود آمنوا وخافوا اللَّه لأيقنوا أن ثواب اللَّه خير لهم من السِّحر ومما اكتسبوه به, لو كانوا يعلمون ما يحصل بالإيمان والتقوى من الثواب والجزاء علماً حقيقياً لآمنوا». وعلى سبيل المثال أقول لشخص أخطأ : لو تعرف الخطر الذي يلحقك من هذا الخطأ؟!وأ قول لشخص فاته خير لو تعرف الربح الذي يكون لك من هذا!!فأنا أحثه وأحضه على علم هذا وهذاوبالتالي فالعمل في الحالين لدرء خطر أو جلب نفع.
وفي رقم (5) ورد قبل قوله تعالى (لو كانوا يعملون): (ولبئس ماشروا به أنفسهم) وفي رقم (6) ورد قبل قوله تعالى (لو كانوا يعلمون): (لمثوبة من عند اللَّه خير..) ففي الأولى ترهيب وفي الثانية ترغيب؛فعندما تسمع عبارة (لو كانوا يعلمون) بعدهما يكون المعنى حثاً وحضاً وتأكيداً على علم ماسبق بمعنى اعلموا ذلك وتيقنوه. قال الطبري: «قال ابن عباس: (ألا إنما طائرهم عند اللَّه )، قال: الأمر من قبل اللَّه». وفي الوجيز في التفسير للواحدي: «(ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن الذي أصابهم من اللَّه». وفي زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي: «وقال الزجاج: المعنى: ألا إن الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وُعدوا به في الآخرة، لا ما ينالهم في الدّنيا».
وفي مفاتيح الغيب: «واعلم أن كل ما يصيبهم من خير أو شر فهو بقضاء اللَّه تعالى وبتقديره (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن الكل من اللَّه تعالى، وذلك لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب المحسوسة ويقطونها عن قضاء اللَّه تعالى وتقديره، والحق أن الكل من اللَّه، فإسنادها إلى غير اللَّه يكون جهلا بكمال اللَّه تعالى».([1]) تفسير الرازي (14/ 345).
وقال القرطبي: «وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أن ما لحقهم من القحط والشدائد إنما هو من عند اللَّه عز وجل بذنوبهم لا من عند موسى وقومه»([1]).وفي إرشاد العقل السليم، إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود العمادي: «(ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) ذلك وإسنادُ عدمِ العلمِ إلى أكثرهم للإشعار بأن بعضهم يعلمون أن ما أصابهم من الخير والشرِّ من جهة اللَّه تعالى أو يعلمون أن ما أصابهم من المصائب والبلايا ليس إلا بما كسبتْ أيديهم ولكن لا يعملون بمقتضاه عنادا واستكبارا» تفسير القرطبي (7/ 267). تفسير أبي السعود (3/ 264).
وفي فتح القدير: «قوله: (ألا إنما طائرهم عند اللَّه) أي سبب خيرهم وشرهم بجميع ما ينالهم من خِصْبٍ وقَحْطٍ هو من عند اللَّه ليس بسبب موسى ومن معه، وكان هذا الجواب على نمط ما يعتقدونه وبما يفهمونه، ولهذا عبر بالطائر عن الخير والشر الذي يجري بقدر اللَّه وحكمته ومشيئته (ولكن أكثرهم لا يعلمون) بهذا بل ينسبون الخير والشر إلى غير اللَّه جهلاً منهم»([1]).
وفي التحرير والتنوير: «و(عند) مستعملة في التصرف مجازاً؛ لأن الشيء المتصرَّف فيه كالمستقر في مكان، أي : سبب شؤمهم مقدر من اللَّه, وهذا كما وقع في الحديث : (ولا طيْرَ إلا طَيْرُك) فعبر عما قدره اللَّه للناس «بطير» مشاكلة لقوله : «ولا طَيْر» ومن فسر الطائر بالحظ فقد أبعد عن السياق.
([1]) فتح القدير للشوكاني (2/ 271).
والقصر المستفاد من (إنما) إضافي أي : سوء حالهم عقابٌ من اللَّه, لا من عند موسى ومن معه، فلا ينافي أن المؤمنين يعلمون أن سبب حلول المصائب بأهل الشرك المعاندين للرسل، هو شركهم وتكذيبهم الرسل: يعلمون ذلك بأخبار الرسل، أو بصدق الفراسة وحسن الاستدلال، كما قال أبو سفيان ليلة الفتح لما هداه اللَّه : «لقد علمتُ أن لو كان معه إله آخر لَقد أغنَى عني شيئاً». فأما المشركون وأضرابهم من أهل العقائد الضالة، فيسندون صدور الضرر والنفع إلى أشياء تقارن حصول ضر ونفع، فيتوهمون تلك المقارنة تسبباً، ولذلك تراهم يتطلبون معرفة حصول الخير والشر من غير أسبابها، ومن ذلك الاستقسام بالأزلام كما تقدم في سورة العقود.
وجملة (ألا إنما طائرهم عند اللَّه ولكن أكثرهم لا يعلمون) معترضة ولذلك فصلت، والاستدراك المستفاد من (لكّن) عما يوهمه الاهتمام بالخبر الذي قبله لقرنه بأداة الاستفتاح، واشتماله على صيغة القصر : من كون شأنه أن لا يجهله العقلاء، فاستدرك بأن أكثر أولئك لا يعلمون
فالضمير في قوله : (أكثرهم) عائد إلى الذين (قالوا لنا هذه) وإنما نفي العلم عن أكثرهم تنبيهاً على أن قليلاً منهم يعلمون خلاف ذلك، ولكنهم يشايعون مقالة الأكثرين»([1]).
وفي الوسيط: «استئنافٌ مَسُوقٌ للرد على خرافاتهم وأباطيلهم. وصدر بلفظ ” ألا ” الذى يفيد التنبيه لإبراز كمال العناية بمضمون هذا الخبر»([2]).
إذا كان علم الساعة عند ربنا، عند اللَّه، فليس عيباً على أحد أن لا يعلم أيان مرساها ولا عيبا على رسوله أن لا يعلم كذلك.
ولا يعني القول (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) لا يعلمون أيان مرساها وأن أقلهم يعلم أيان مرساها.
إذا ماهو العيب في كونهم لا يعلمون ؟
كونهم لايعلمون عن اللَّه أنه لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ، ولايعلمون المعلومات عن الساعة وعن لقاء اللَّه في الآخرة، ولايعلمون ماذا سيفعل اللَّه من أفعال في أمر الساعة وشأنها وأحوالها.
كونهم لا يعلمون ما يلزم لهم أن يعلموه عن اللَّه وعن ماعنده من علوم الآخرة والساعة المذكورة في القرآن.
كونهم لايعلمون هذه المعلومات التي أمر اللَّه بتعلمها مما أنزل إلينا،
هو العيب وهو الجهل وهو السبة كما قال سبحانه :
(بل ادارك علمهم في الآخرة )
والشيء المعيب والمشين أن يمتنعوا عن ما أمروا بعلمه فكلما جد أمر من اللَّه بالعلم جددوا معه الإمتناع حتى استحقوا هذا الوصف من الذي خلقهم ومع كل هذا يأتوا إلى السؤال والإستعلام عن أشياء أكبر مما خلقوا له.
قال الطبري: «(ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، يقول: ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا اللَّه، بل يحسبون أن علم ذلك يوجد عند بعض خلقه».
وفي مفاتيح الغيب: (ولاكن أكثر الناس لا يعلمون) وفيه وجوه: أحدها: ولكن أكثر الناس لا يعلمون السبب الذي لأجله أخفيت معرفة وقته المعين عن الخلق.
وفي البحر المحيط: «وقيل: (لا يعلمون) أن القيامة حق لأنّ أكثر الخلق ينكرون المعاد ويقولون: (إن هي إلا حياتنا الدنيا) الآية».
وفي إرشاد العقل السليم، إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود العمادي: «(ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) أي لا يعلمون ما ذُكر من اختصاص علمِها به تعالى، فبعضُهِم ينكرونها رأساً، فلا يعلمون شيئاً مما ذكر قطعاً، وبعضُهم يعلمون أنها واقعةٌ البتةَ ويزعُمون أنك واقفٌ على وقت وقوعِها فيسألونك عنه جهلاً، وبعضُهم يدّعون أن العلم بذلك من مواجب الرسالةِ فيتخذون السؤالَ عنه ذريعةً إلى القدح في رسالتك والمستثنى من هؤلاء هم الواقفون على جلية الحالِ من المؤمنين.
وأما السائلون عنها من اليهود بطريق الامتحانِ، فهم منتظِمون في سلك الجاهلين، حيث لم يعلموا بعلمهم، وأظن (لم يعملوا) ».
وفي زهرة التفاسير لمحمد أبو زهرة: «(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الاستدراك هنا عما وهمه الناس من أن العلم بميقات الساعة ينفع ولا يضر، ولذا قال أكثر الناس لَا يعلمون حكمة القادر الحكيم العليم، فيما يبين، ويترك بيانه لميقاتها، واللَّه I بكل شيء عليم.
ولقد بين I أن النبي e لَا يعلم من الغيب إلا من أطلعه اللَّه تعالى عليه، ولم يطلعه عن ميقات الساعة».
م، يقول: واعلموا أن اللَّه عنده خيرٌ وثواب عظيم، على طاعتكم»([1]).
وفي تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي: «(واعلموا) وهي كلمة ينبه بها السامع على أن ما بعدها مهم جداً»([2]).
وفي محاسن التأويل للقاسمي: «قال الحاكم: قد أمر اللَّه بالعلم بذلك، وطريق العلم به التفكر في أحوالهما، وزوالهما، وقلة الانتفاع بهما، وكثرة الضرر، وأنه قد يعصي اللَّه بسببهما»([3]).
وفي زهرة التفاسير لمحمد أبو زهرة: «أمرنا ألا نخون، وعلمنا كيف نحارب نوازع الخيانة في نفوسنا، ونعالج منابع الفساد فينا، وهدانا السبيل لأن نربي أنفسنا؛ طلب إلينا ألا نخون، ثم بيَّن موضع الداء وهو فتنة المال والولد.
والأمر أمر تعليم وعلم، وهذا العلم هو أن المال والولد فتنة، وإنه يجب محاربة المتعة حتى لَا تشتط بالإنسان بطلب متعة، أبقى وأدوم وأهدى سبيلاً، ولذا علمنا اللَّه تعالى الإيمان بأن عند اللَّه أجرًا عظيما، إذا قاومنا فتنة المال والولد، والمقاومة ليست بالحرمان كما أشرنا، ولكن بالحذر.
وقد أكد اللَّه تعالى أجر اللَّه الذي يتكافأ مع مقاومة الخيانة بسبب متعة المال والولد، أولاً: بالتعبير بالجملة الاسمية.
وثانيًا: بـ(أنَّ)، وثالثًا: بتنكير أجر، فإن معنى هذا التنكير الكبر إلى درجة، ورابعًا: بوصفه بأنه عظيم، وذلك لتحصين نفسه بهذا الأجر الذي لَا يقارن قدره»([4]).
وفي المنتخب لعلماء الأزهر: «واعلموا أن ثواب اللَّه عظيم يجزيكم عن المال والولد»([5]).
وقال مقاتل بن سليمان: «إِنَّما عِنْدَ اللَّه من الثواب لمن وفى منكم بالعهد هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ من العاجل إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»([6]).
وفي البحر المحيط: «قال الزمخشري: كان قوم ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش، واستضعافهم المسلمين، وإيذائهم لهم، ولما كانوا يعدونهم إنْ رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول اللَّه e فثبتهم اللَّه، ولا تشتروا: ولا تستبدلوا بعهد اللَّه، وبيعة رسول اللَّه ثمناً قليلاً عرضاً من الدنيا يسيراً، وهو ما كانت قريش يعدونهم ويمنونهم إن رجعوا أنّ ما عند اللَّه من إظهاركم وتغنيمكم، ومن ثواب الآخرة خير لكم، وقال ابن عطية: هذه آية نهي عن الرشا، وأخذ الأموال على ترك ما يجب على الآخذ فعله، أو فعل ما يجب عليه تركه، فإن هذه هي التي عهد اللَّه إلى عباده فيها»([7]).
وقال ابن كثير: «ثم قال (ولا تشتروا بعهد اللَّه ثمناً قليلاً) أي لا تعتاضوا عن الإيمان باللَّه عرض الحياة الدنيا وزينتها، فإنها قليلة لو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها، لكان ما عند اللَّه هو خير له; أي جزاء اللَّه وثوابه خير لمن رجاه، وآمن
([1]) تفسير الطبري (11/ 126).
([2]) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (8/ 262).
([3]) تفسير القاسمي (5/ 280).
([4]) زهرة التفاسير (6/ 3107).
([5]) المنتخب (ص 246).
([6]) تفسير مقاتل (2/ 485).
([7]) البحر المحيط في التفسير (6/ 591).
به وطلبه وحفظ عهده رجاء موعوده ولهذا قال (إن كنتم تعلمون) »([1]).
وفي نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: «(تعلمون) أي ممن يتجدد له علم، ولم تكونوا في عداد البهائم، فصار العهد الشامل للأيمان مبدوءاً في هذه الآيات بالأمر بالوفاء به، ومختوماً بالنهي عن نقضه، والأيمان التي هي أخص منه وسط بين الأمر والنهي المتعلقين به، فصار الحث عليها على غاية من التأكيد عظيمة ورتبة من التوثيق جليلة»([2]).
وفي إرشاد العقل السليم: «(إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) أي: إنْ كنتُم من أهلِ العلمِ والتمييزِ، وهو تعليلٌ للنهي على طريقة التحقيقِ»([3]).
وأما في التحرير والتنوير: «إن كنتم تعلمون حقيقة الذي عند اللَّه ادخره لكم، و«ما عند اللَّه » هو ما ادّخره للمسلمين من خير في الدنيا وفي الآخرة (إن كنتم تعلمون) إن كنتم تعلمون حقيقة عواقب الأشياء، ولا يغرّكم العاجل. وفيه حثّ لهم على التأمّل والعلم»([4]).