ذكر في تفسير التحرير والتنوير: «وقوله: (واعلموا أن اللَّه مع المتقين) افتتاح الكلام بكلمة (اعلموا) إيذانٌ بالاهتمام بما سيقوله، فإن قولك في الخطاب : (اعلم ) إنباءٌ بأهمية ما سيلقى للمخاطب
فيكون المعنى: واتقوا اللَّه في حرماته في غير أحوال الاضطرار: واعلموا أن اللَّه مع المتقين، فهو يجعلهم بمحل عنايته، ويرغبهم في التقوى لأن معية اللَّه مرغوبة»([1]).
قال الطبري: «وأما قوله: (واعلموا أن اللَّه مع المتقين)، فإن معناه: واعلموا، أيها المؤمنون باللَّه، أنكم إن قاتلتم المشركين كافة, واتقيتم اللَّه فأطعتموه فيما أمركم ونهاكم، ولم تخالفوا أمره فتعصوه, كان اللَّه معكم على عدوكم وعدوه من المشركين، ومن كان اللَّه معه لم يغلبه شيء, لأن اللَّه مع من اتقاه فخافه وأطاعه فيما كلفه من أمره ونهيه»([2]).
وفي مفاتيح الغيب لفخرالدين الرازي: «قال الزجاج: تأويله أنه ضامن لهم النصر»([3]).
وفي البحر المحيط لأبي عبداللَّه بن حيان الأندلسي: «والمعية بالنصر والتأييد، وفي ضمنه الأمر بالتقوى والحث عليها»([4]).
وقال ابن عرفة المالكي: «قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)﴾ فإن قلت: ما أفاد زيادة (وَاعْلَمُوا)؟ وهلا قيل: واللَّه مع المتقين؟ فالجواب: إما بأنه تنبيه للعاقل فيحضر ذمته، وإما بأن المراد اعلموا ذلك بالدليل والبرهان إشارة إلى وضوح الدلائل الدالة عليه، وإمَّا أنه تأكيد في الإخبار»([5]).
وقال البقاعي: «فلا تخافوهم وإن زادت جموعهم وتضاعفت قواهم لأن اللَّه يكون معكم (واعلموا أن اللَّه) أي الذي له جميع العظمة معكم، هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر الوصف تعليقاً للحكم به وتعميماً فقال: (مع المتقين*) جميعهم، وهم الذين يثبتون تقواهم على ما شرعه لهم، لا على النسيء ونحوه، ومن كان اللَّه معه نصر لا محالة»([6]).
وقال العمادي: «(واعلموا أَنَّ اللَّه مَعَ المتقين) أي معكم بالنصر والإمداد فيما تباشِرونه من القتال، وإنما وضع المُظهرُ موضعَه مدحاً لهم بالتقوى، وحثاً للقاصرين عليه.
وإيذاناً بأنه المدارُ في النصر، وقيل هي بشارةٌ وضمانٌ لهم بالنصرة بسبب تقواهم»([7]).
وفي التحرير والتنوير: «وجملة (واعلموا أن اللَّه مع المتقين) تأييد وضمان بالنصر عند قتالهم المشركين، لأنّ المعية هنا معية تأييد على العمل، وليست معية عِلم، إذ لا تختصّ معيّة العلم بالمتّقين.
وابتدئت الجملةُ بـ(اعلموا) للاهتمام بمضمونها كما تقدّم في قوله تعالى : (واعلموا أن ما غنمتم من شيء) [ الأنفال : 41 ] الآية، بحيث يجب أن يعلموه ويَعوه.
والجملة بمنزلة التذييل لما قبلها من أجل ما فيها من العموم في المتّقين، دون أن يقال واعلموا أنّ اللَّه معكم ليحصل من ذكر الاسم الظاهر معنى العموم، فيفيد أنّ المتّصفين بالحال المحكية في الكلام السابق معدودون من جملة المتقين، لئلا يكون ذكر جملة (واعلموا أن اللَّه مع المتقين) غريباً عن السياق، فيحصل من ذلك كلام مستقلّ يجري مجرى المثل، وإيجازٌ يفيد أنّهم حينئذٍ من المتّقين، وأنّ اللَّه يؤيّدهم لتقواهم، وأنّ القتال في الأشهر الحرم في تلك الحالة طاعة للَّه وتقوى، وأنّ المشركين حينئذٍ هم المعتدون على حرمة الأشهر، وهم الحاملون على المقابلة بالمثل للدفاع عن النفس»([8]).
قال الطبري: «(واعلموا أن اللَّه مع المتقين)، يقول: وأيقنوا، عند قتالكم إياهم، أن اللَّه معكم، وهو ناصركم عليهم, فإن اتقيتم اللَّه وخفتموه»([9]).
وفي مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي: «ثم قال: (واعلموا أن اللَّه مع المتقين) والمراد أن يكون إقدامه على الجهاد والقتال بسبب تقوى اللَّه لا بسبب طلب المال والجاه، فإذا رآه قبل الإسلام أحجم عن قتاله، وإذا رآه مال إلى قبوله الجزية تركه، وإذا كثر العدو أخذ الغنائم على وفق حكم اللَّه تعالى»([10]).
وفي نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي: «ولما كان التقدير: وليكن كل ذلك مع التقوى لا بسبب مال ولا جاه، فإنها ملاك الأمر كله، قال منبهاً على ذلك بقوله: (واعلموا أن اللَّه) أي الذي له الكمال كله (مع المتقين*) فلا تخافوا أن يؤدي شيء من مصاحبتها إلى وهن فإن العبرة بمن كان اللَّه معه»([11]).
وعند أبي السعود العمادي: «والمرادُ بهم إما المخاطَبون ووضعُ الظاهرِ موضعَ الضمير للتنصيص على أن الإيمانَ والقتالَ على الوجه المذكور من باب التقوى والشهادة بكونهم من زمرة المتقين، وإما الجنس، وهم داخلون فيه دخولاً أولياً، والمرادُ بالمعية الولايةُ الدائمةُ، وقد ذُكر وجهُ دخولِ مع على المتبوع في قوله تعالى إن اللَّه مَعَنَا»([12]).
وفي ظلال القرآن: «إنما المقصود هو الخشونة التي لا تميع المعركة ; وهذا الأمر ضروري لقوم أمروا بالرحمة والرأفة في توكيد وتكرار، فوجب استثناء حالة الحرب، بقدر ما تقتضي حالة الحرب، دون رغبة في التعذيب والتمثيل والتنكيل»([14]).
وفي التحرير والتنوير: «وجملة: (واعلموا أن اللَّه مع المتقين) تأييد وتشجيع ووعد بالنصر إن اتقوا بامتثال الأمر بالجهاد.
وافتتحت الجملة ب (اعلموا) للاهتمام بما يراد العلم به والمعية هنا معية النصر والتأييد، وهذا تأييد لهم إذ قد علموا قوة الروم»([15]).
وفي زهرة التفاسير: «وقوله: (أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ)، أي هو مصاحب لهم، فلا يقع عليهم، وهو قريب منهم ينصرهم ويعزهم، ولا يمكن عدوا منهم، وقد أكد سبحانه أنه مع المتقين بالجملة الاسمية، وبـ إنَّ الدالة على التوكيد، وبتصدير القول بلفظ الجلالة الذي يربي في النفس المهابة من اللَّه ومخافته.
وقد بين اللَّه I كيف يتلقى المتقون ما ينزل من القرآن، وكيف يتلقاه غيرهم»([16]).